جاء حادث خطف عدد من السائحين – 5 ألمان، 5 إيطاليين، روماني واحد – ومجموعة من المصريين – 4 سائقين، مدير الشركة، فرد أمن، 3 مرشدين بمنطقة وادي الجلف بمحافظة الوادي الجديد بجنوب مصر واقتيادهم إلى الأراضي السودانية ليضع علامات استفهام لا حصر لها على الأداء الحكومي العجيب الذي أخذت في تنفيذه للتعامل مع هذه الواقعة.
ليس الغريب في هذا الحادث هو الحادث في حد ذاته ولكن تبعات هذا الحادث وأقصد بذلك حالة التعتيم الإعلامي الرسمي المتعمدة سواء بفعل فذلكة المسئولين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون أو بفعل تضارب التصريحات الرسمية في هذا الشأن، فبعد قيام إذاعة البي بي سي (البريطانية) بنشر الخبر قامت قناة الجزيرة (القطرية) بإذاعة الخبر بعدها بدقائق معدودة لتتلوها مباشرة قناة العربية (السعودية) بعمل متابعات تحليلية للخبر، وبعد أن تعفن الخبر وتحلل بفعل الوقت تفتق أخيرا عن ذهن قناة النيل للأخبار فكرة تزيل بها الحرج عن نفسها عندما قامت بإذاعة تعليق وزير السياحة – المسئول المصري الوحيد الذي علق على الحادث- على الخبر دون إذاعة الخبر نفسه بحيث تكون بهذه الطريقة تفادت أي غضب أمني طالما أنها تصريحات حكومية وفي الوقت ذاته نفذت التعليمات بعدم إذاعة أي تفاصيل.
أصابني السعال والضغط والسكر وأنا أتجول بين المحطات الرسمية المصرية في محاولة للبحث عن أي أثر للخبر لكن لا حس ولا خبر... فالدنيا عادي جدا والناس هتعيد الأسبوع الجاي وكله تمام ودرجات الحرارة لطيفة نهارا ومعتدلة مساء وكله زي الفل.
عاد السعال والضغط يشتد علي مرة أخرى وأنا أحاول تفسير أسباب هذا التعتيم غير المبرر فلم أجد سوى سببين لا ثالث لهما هما وحدهما قد يمنعان أي منبر إعلامي من الانفراد بخبر بهذا الشكل؛..
السبب الأول هو أن تكون وسائل الإعلام المحلية ليس لديها أي فكرة عما حدث وأنها فوجئت تماما مثلها مثل أي شخص عادي بالخبر فآثرت أن تتحلى بالصمت على أن تتخلى عنه عندما تتخلى الحكومة هي الأخرى عنه خاصة وأن أحدا منهم لم يجرؤ أن يتحدث أو يصدر بيانا أو توضيحا باستثناء وزير السياحة "زهير جرانة" الذي أكد أن السائحين مختطفين من يوم الجمعة الماضي ولم تعرف أجهزة الأمن عنهم شيئا يذكر، لكن هذه الفرضية مستبعدة فمن المحال أن يكون هناك تلفزيون بإمكانيات التلفزيون المصري – رغم تواضع أدائه - عرف بخبر كهذا صدفة أو متأخرا ناهيك عن كونه يقع ضمن النطاق الإقليمي لتغطيته الإخبارية.
الفرضية الثانية وهي الأكثر ميلا للتصديق وهي أن الحكومة وقعت في مأزق صارخ وارتكبت أخطاء أمنية فادحة تسببت في خطف السياح بهذه السهولة، أولها أن هذه التنظيمات العصابية موجودة في مصر بل وفي منطقة سياحية مفترض أنها مؤمنة بشكل جيد منذ مدة لا بأس بها، وحجزوا في نفس الفندق الذي أقام فيه السائحون، وقاموا بعمل رحلات سفاري أكثر من مرة إلى المنطقة التي وقع فيها الحادث، وعرفوا دروبها جيدا... بينما قوات الأمن لا حس لها ولا خبر ولا تعرف شيئا عن أي شيء.
وبالتالي عندما حدث ما حدث لم يكن أمام الحكومة سوى حل واحد ألا وهو التكتيم التام على الحادث والحرص على عدم تسريبه إلى وسائل الإعلام لحد ما ربنا يفرجها والفرج هذا متمثل في شيئين...
الفرج الأول وهو أن تستطيع قوات الأمن بمعاونة المخابرات التوصل إلى الخاطفين وإطلاق سراح السائحين بشكل ودي فتظهر بعدها الحكومة لوسائل الإعلام بصورة حامي حمى السياحة المصرية والكلام بقى بتاع نورت مصر والسياحة خير لينا كلنا بل واحتمال أن يتحول هذا اليوم إلى عيد قومي لشرطة السياحة لتنهال بعدها البيانات الحكومية على وسائل الإعلام والتي تتحدث عن ذكاء الضابط المصري وقدرته على إحباط هذه المخططات العصابية البلهاء.
أما الفرج الثاني وهو إبقاء الوضع كما هو عليه حتى تعيد الحكومة ترتيب الأوراق وتجهز بيان مناسب يمكن أن يحفظ لها صورتها أمام وسائل الإعلام بحيث يلقي المسئولية على أي جهة أخرى وهذا ما ظهرت بوادره بالفعل عندما خرجت أحد المصادر الأمنية التي رفضت ذكر اسمها بالتأكيد على أن شركة السياحة المسئولة عن السياح لم تخبرهم بميعاد وصول هؤلاء السائحين ولم تبلغهم فور اختطافهم ولم ولم ولم – لاحظ أن مدير الشركة نفسه اتخطف فتقريبا أنا اللي مفروض أبلغ - .
لكن حدث ما لم تتوقعه الحكومة وتسرب الخبر إلى وسائل الإعلام والمصيبة كانت أكبر فلم تكن القنوات التي تسرب إليها فضائية مصرية بل عربية وأوربية ذائعة الصيت مثل الجزيرة والبي بي سي والعربية فارتبكت وسائل الإعلام الرسمية وأصيبت بالشلل وكذلك حدث لكل المسئولين الذين لم تعرف مكاتبهم تصريحا واحدا أو بيان توضيح يتيم رافعين شعارا واحدا لا تنازل عنه – هووووش محدش يتكلم