قرأتُ – لسوء الحظ – على موقع "رويترز" نُشر الأحد الماضي تصريحاً لوزير ماليتنا السيد/ يوسف بطرس غالي؛ أكد فيه سيادته أن مصر تجاوزت أسوأ مرحلة تضخم مرت بها منذ 16 عاماً بعد انخفاض أسعار الغذاء العالمية، وذكر سيادته أمثلة – والعهدة لا تزال على الرويترز- عن انخفاض سعر القمح للطن ليصل إلى 250 دولارا بعد أن كان بـ 480 دولاراً، وكذلك الذرة وفول الصويا وزيوت الطعام، وقال بالنصّ "لا بد أن يترجم كل هذا هنا".. وبصراحة لم أدرِ ماذا يقصد معالي الوزير بكلمة (هنا) هذه، وشككت أن يكون المقصود هي بلدنا (مصر)، لأنني تربيت على مبدأ أن كل شيء في بلدنا يرتفع سعره إلا اشتراكات الإنترنت والمصريين!
ثم فوجئت بتصريح لمعالي وزير آخر وهو السيد/ رشيد محمد رشيد، يوم الإثنين الماضي، وعلى موقع (الحزب الوطني الديمقراطي)، حيث اجتمع وزير تجارتنا وصناعتنا مع كبار منتجي ومستوردي زيوت الطعام والدواجن واللحوم – ولا أدري جمع كلمة شهبندر التجار، لكن المعنى واضح على كل حال – حيث تابع مع هؤلاء "الشهابنة" حالة الأسواق ومدى استجابة أسعار السوق المحلية للانخفاض في الأسعار العالمية، وذكر التقرير بالنص: "وأشار الوزير إلى أن اندماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي لا يعني أن يتحمل المواطن المصري فاتورة ارتفاع الأسعار العالمية فقط بل لا بد أن يستفيد أيضا من انخفاض الأسعار". وهو كلام طيب وجميل يشي بالوعود الزاهرة لولا مشكلة واحدة بسيطة: أنه لا يتحقق!!
وحتى لا يُقال عني أني أهبل وساذج، أو من عينة من يقول "يا عم ده كلام حكومة، هو بييجي من وراها غير بق"، وحتى يفهم أي محلل سيكولوجي سر انعدام ثقة المواطنين بحكومتهم، فإنني لن أطالب وزيريْنا الهمامين بالنزول إلى الأسواق ومتابعة حالة الأسعار بنفسيهما، ليس خوفاً على تعبهما، بل خوفاً على المواطنين الذين سيعانون من الازدحام المروري والاختناق ومعاملة رجال الأمن السيئة نتيجة الموكب الوزاري؛ أو ما يُعرف في أوساط أخرى باسم: "الزّفة الحكومية"!
كل ما سأفعله، هو الرجوع إلى بعض أعداد الجرائد القديمة التي لم يمضِ عليها شهر واحد، ومحاولة إنعاش ذاكرة الوزيرين ببعض المعلومات التي أقرتها جهات حكومية ومستقلة لها ثقتها واحترامها..
فالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أشار لزيادة في أسعار السلع الغذائية وصلت إلى 32 % وذلك في شهر يوليو الماضي، رغم انخفاض الأسعار العالمية للحبوب ومنتجات الألبان والزيوت إلى ما يقرب من 30 % !! ورغم ذلك فالأسعار المحلية لم تشهد انخفاضاً واضحاً وهو ما برره بعض أساتذة الاقتصاد بعدم التزام حكومتنا في تجريم من يرفع الأسعار على الناس بدون أسباب، وأشار الخبر الوارد على موقع ( Arab Finance ) على لسان أحد خبراء الاقتصاد أن 10 % من شرائح المجتمع المصري هم الذين يستطيعون مجاراة الزيادة في الأسعار، بينما 90 % من باقي فئات المجتمع يعانون من وطأتها !
أي أن الانخفاض العالمي في الأسعار لم يكن البارحة أو الأسبوع الماضي، بل الأسعار تنخفض منذ شهرين ولم يتذكر مسئولونا إصدار التصريحات حول ذلك إلا الآن!
وماذا عن الأسعار في رمضان؟!
في عدد (المصري اليوم) الصادر بتاريخ 16/9/ 2008، يأتينا خبر من جهاز حماية المستهلك بأن أسعار السلع الاستهلاكية قد ارتفعت خلال النصف الأول من رمضان نتيجة تزايد الإقبال عليها، فسجلت الدراسة أن سعر الأرز للكيلو وصل ما بين 4,30 جنيه إلى 5,75 جنيه، بينما تراوحت أسعار السكر من 3 إلى 4 جنيه، وبعض أنواع زيوت الطعام وصلت إلى 13,25 جنيهاً لعبوة اللتر، بينما بلغ متوسط سعر كرتونة البيض إلى 23 جنيه.
وكشف عدد آخر من نفس الجريدة صادر بتاريخ 31/8/ 2008 تزايد الإقبال على اللحوم المستوردة لا سيما البرازيلية من قبل كبار الموظفين بل ومن فنادق الخمس نجوم، بعد أن تجاوز كيلو اللحم البلدي في بعض المناطق حاجز الأربعين جنيه..
وعشان منظلمش التجار، وعلى مثل "إن كان ربّ البيت بالدف ضاربا.. "، أحب أن أورد هذا الخبر الذي ذكرته صحيفتي المفضلة والتي أتابعها يومياً – المصري اليوم – بتاريخ 27/8/2008، أن الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة الاستثمار، أي الحكومة، قد أعلنت رفع أسعار السلع الغذائية، فارتفع – على سبيل المثال – سعر كيلو الفراخ البيضاء من 12,50 جنيه إلى 14 جنيه، ووصل سعر البيض من 20 إلى 22 جنيه للطبق البلدي، وسعر الفول البلدي من 5 إلى 6,50 جنيه للكيلو، وكذلك العدس الأصفر ليصل إلى 14 جنيه، واللوبيا والفاصوليا إلى 8 جنيه، بينما ارتفع سعر ياميش رمضان بكل أنواعه وذلك كتهنئة مقدمة من الحكومة لشعبها، ولا داعي لمزيد من الاسترسال وحشو القراء بأرقام تعرفها ربات البيوت ممن يقرأن هذه المقالة الآن!!
أي أن الحكومة ممثلة في وزارتين تصدر التصريحات بانخفاض في الأسعار، هي نفس الحكومة ممثلة في وزارة ثالثة ترفع الأسعار على الناس، وتفتح الطريق للتجار إلى جيوب المصريين!
طب وبعدين؟
ولا قبلين، هناك مؤسسة تقييم دولية تدعى (ستاندر إندبورز) تتوقع أن يزداد التضخم في مصر لتصل نسبته إلى 19 % عام 2009، أي لو تحقق هذا التنبؤ فنحن مقبلون على سنة سوداء من الأسعار الجهنمية، بينما أكد معالي الوزير (يوسف بطرس غالي) – في نفس التصريح السابق الذي دفعني لكتابة هذا المقال – أن جهود الحكومة مستمرة للإصلاح الهيكلي وأن الحكومة ستقدم برنامجاً جديداً لمشروعات حكومية للخصخصة؛ أي أن إصلاح البلد يكون بموتها، وهو نموذج واقعي للنكتة عن الحاكم الذي أراد القضاء على الفقر فقتل الفقراء!
أحياناً، عندما يعجز المنطق والواقع عن استيعابي، أتقوقع في غرفتي، أغمض عينيّ وأتخيل أحلاماً غريبة، تطير بي إلى عالم آخر، تخيلت مثلاً أن جموع الشعب المصري خرجت عن بكرة أبيها وتجمعت أمام مبنى رئاسة الوزراء، وبدلاً من أن تهتف بنداءات المظاهرات المسجوعة، إذ بها تغني أغنية لـ (تامر حسني)!!
"ساكت ليه"؟
حتعمل إيه؟
يا مالك روحي وأمري..
شفت حصل لي عشانك إيه؟
فرحني لو يوم في عمري!"
طب أقولكم حاجة: متفرحوناش، بس برضه بلاش تقتلونا!
